يُعتبر منجم جبل عامر الواقع في منطقة غرب الفاشر بإقليم دارفور أحد أكثر المواقع إثارة للجدل في السودان، ليس فقط بسبب ثرائه الكبير بالذهب، بل لأنه أصبح على مدار أكثر من عقدين محوراً لصراعات دموية وحروب طويلة أرهقت المنطقة منذ عام 1999. ورغم أن المنجم يُعد كنزاً وطنياً يمكن أن ينعش الاقتصاد السوداني، إلا أن ما حدث كان العكس تماماً، إذ تحوّل إلى ساحة صراع على النفوذ والثروة بين الجماعات المسلحة والقبائل المحلية، لتختلط السياسة بالاقتصاد بالدم.
يقع جبل عامر في قلب دارفور، وهي منطقة تُعد من أغنى المناطق بالمعادن في إفريقيا، حيث تشير التقديرات إلى أن إنتاج الذهب في المنجم وصل عام 2023 إلى نحو 50 طناً سنوياً، وهو رقم ضخم يضعه ضمن أكبر مناجم الذهب في القارة السمراء.
ويتميز المنجم بكونه منجماً سطحياً يسهل استخراج الذهب منه، كما أن تركيز المعدن في تربته مرتفع جداً، مما يجعله هدفاً مغرياً للجميع، من شركات التعدين إلى الجماعات المسلحة وحتى الأطراف الإقليمية التي تتنافس على النفوذ في السودان.
إقرأ ايضاً:
مأساة جديدة تهز السودان.. ما وراء الكارثة التي أصابت المستشفى السعودي في الفاشرواتساب يفاجئ مستخدميه بخطوة ثورية لحماية النسخ الاحتياطية.. وداعًا لكلمات المرورمنذ اكتشاف المنجم أواخر التسعينيات، بدأت الصراعات تأخذ طابعاً متشابكاً بين القبائل، لكنها كانت في جوهرها صراعات على الموارد والثروات الطبيعية. ومع مرور الوقت، تحولت دارفور إلى مسرح لتقاطع المصالح بين قوى محلية ودولية، وكل طرف يسعى للحصول على نصيبه من "ذهب جبل عامر". ويُعتقد أن السيطرة على هذا المنجم كانت من الأسباب الرئيسية وراء اندلاع العديد من المعارك التي تسببت في سقوط آلاف الضحايا وتشريد مئات الآلاف من السكان.
رغم محاولات الحكومة السودانية السابقة بسط سيطرتها على المنطقة وتنظيم عمليات التعدين، إلا أن هشاشة الوضع الأمني والانقسام السياسي جعل المهمة شبه مستحيلة. وحتى اليوم، لا يزال المنجم تحت تأثير تنافس محموم بين الفصائل المسلحة والمصالح الاقتصادية المختلفة.
في النهاية، يظل جبل عامر مثالاً صارخاً على كيف يمكن أن تتحول الثروات الطبيعية من نعمة إلى نقمة، حين تختلط بها أطماع السلطة والسلاح، ليصبح الذهب الذي يُفترض أن يلمع في الأسواق، وقوداً لحروب لا تنتهي في قلب إفريقيا.