تشهد السودان واحدة من أسوأ موجات الغلاء في تاريخها الحديث، إذ التهمت الأسعار المتصاعدة ما تبقى من القدرة الشرائية للمواطنين، لتطال جميع السلع والخدمات الأساسية دون استثناء. من الخبز وزيت الطعام إلى أبسط احتياجات المعيشة اليومية، أصبحت تكلفة الحياة عبئًا ثقيلًا على الأسر السودانية التي تكافح لتأمين ضرورياتها في ظل الانهيار الحاد لقيمة الجنيه السوداني.
وفي الأسواق الشعبية بالعاصمة الخرطوم وعدة مدن أخرى، تتجلى الأزمة في ملامح الباعة والمستهلكين على حد سواء. يقول عبد الرحمن، موظف حكومي، إن دخله الشهري لم يعد يغطي حتى نصف متطلبات أسرته، مشيرًا إلى أن الأسعار تتبدل يوميًا بينما تبقى الأجور على حالها منذ سنوات. أما عمر عبد اللطيف، رب أسرة، فيصف أسعار الوقود بأنها "خرافية"، موضحًا أن غالون البنزين وصل إلى 18 ألف جنيه، والغازولين إلى 17.5 ألف جنيه، ما جعل المواصلات اليومية عبئًا لا يُحتمل.
إقرأ ايضاً:
الأهلي يشعل المؤتمر .. يايسله يوجه رسالة غامضة ويثير الجدل بتصريح غير متوقع!تحذير طبي جديد.. 5 أطعمة شائعة لا تخلطها مع البيض أبدًا وإلا ستدفع الثمن!نجم سعودي يلفت أنظار رينارد والهلال معًا.. خطوة مفاجئة تغيّر مسار مسيرته!وأضاف أن خمسة أرغفة خبز تباع بألف جنيه، بينما يبلغ سعر رطل الزيت خمسة آلاف جنيه، وكيلو اللحم 20 ألف جنيه، وكيلو السكر 3500 جنيه، مؤكدًا أن كثيرًا من الأسر اضطرت إلى الاستغناء عن سلع أساسية بسبب الغلاء غير المسبوق.
من جانبه، أكد التاجر محمد الحاج من سوق أم درمان أن تكاليف النقل والوقود تضاعفت، إلى جانب أزمة في الحصول على العملات الأجنبية، ما جعل الأسعار تتغير أسبوعيًا مع كل تقلب في سعر الصرف. أما سعاد، وهي ربة منزل، فقالت إنها باتت تشتري الزيت والدقيق بكميات صغيرة وتطهو اللحوم مرة واحدة في الشهر فقط.
وتشير بيانات السوق إلى أن الدولار يُتداول رسميًا عند نحو 2400 جنيه سوداني، بينما يتجاوز في السوق الموازية 3600 جنيه، ما ينعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات. فغالون البنزين يباع بنحو 18 ألف جنيه (7.5 دولار)، وكيلو اللحم يقارب 8 دولارات، فيما لا يتجاوز متوسط دخل المواطن السوداني عشرات الدولارات شهريًا.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الأزمة تعود إلى تراجع الإنتاج المحلي والاعتماد على الاستيراد، إلى جانب الضرائب الباهظة وضعف الرقابة الحكومية وتداعيات الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين. وقال الخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل إن المواطن السوداني يشتري السلع بأعلى الأسعار في المنطقة رغم أن دخله من الأدنى عالميًا، مؤكدًا أن الجبايات المتعددة والفساد الإداري يرفعان تكلفة النقل والتوزيع بصورة جنونية.
وحذر المهل من أن تدهور الجنيه السوداني وغياب السياسات النقدية الفاعلة يدفعان المواطنين نحو تحويل مدخراتهم إلى ذهب أو عملات أجنبية، ما يزيد الضغط على العملة المحلية. كما شدد على أن الإصلاح الاقتصادي يتطلب رقمنة شاملة للنظام المالي ومحاربة الاحتكار والتهريب، خاصة تهريب الذهب الذي يحرم البلاد من مواردها الحقيقية.
وفي الوقت ذاته، أقرت مصادر في وزارة المالية السودانية بأن الحكومة تواجه صعوبات في ضبط الأسواق بسبب الوضع الأمني المعقد، مشيرة إلى أن البلاد تعاني من انقسام إداري ومناطقي يجعل السيطرة على الأسعار وتدفق السلع شبه مستحيل.
وكشفت دراسة حديثة للجنة المعلمين السودانيين أن تكلفة معيشة أسرة صغيرة تجاوزت 1.65 مليون جنيه، في حين لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور 12 ألف جنيه فقط، وهو ما يضع العاملين تحت خط الفقر المدقع. وبينما تتعمق الأزمة الاقتصادية، يحذر الخبراء من دخول السودان مرحلة جديدة من التضخم والانكماش، تهدد بانهيار ما تبقى من الطبقة الوسطى وبتفاقم الفقر في بلد يواجه تحديات سياسية واقتصادية غير مسبوقة.