في كل عام، وتحديدًا خلال شهر نوفمبر، تتجه أنظار المجتمع الطبي إلى شهر التوعية بسرطان الفم (Oral Cancer Awareness Month)، لتسليط الضوء على واحد من أكثر السرطانات إهمالًا رغم خطورته المتزايدة. فبينما تحظى بعض أنواع السرطان باهتمام واسع، يبقى سرطان الفم في الظل، يتسلل بصمت في أنسجة الفم واللسان والبلعوم حتى يُكتشف في مراحله المتأخرة، حيث يصبح العلاج أكثر صعوبة وتكلفة.
تأخر الاكتشاف وأسباب الإهمال
تُظهر الإحصاءات أن تأخر اكتشاف سرطان الفم لا يعود فقط إلى طبيعته الصامتة، بل أيضًا إلى نقص الفحوصات الدورية وضعف الوعي الصحي العام في مجتمعاتنا العربية. وتلعب العادات السلبية دورًا محوريًا في تفاقم المشكلة، مثل مضغ القات في اليمن والقرن الأفريقي، واستخدام الشمة في السودان والسعودية، إضافة إلى التدخين وسوء نظافة الفم، والعدوى بفيروس الورم الحليمي البشري (HPV).
هذه العوامل مجتمعة تجعل من سرطان الفم تحديًا معقدًا يتطلب تدخلات طبية وتوعوية عاجلة.
إقرأ ايضاً:
تحديث مفاجئ من موتورولا.. هواتف جديدة تحصل على أندرويد 16 وميزات خفية تظهر!إنزاغي يتحرك بخطة غير متوقعة.. خطوة جديدة للهلال تُشعل ميركاتو الشتاء القادم!الذكاء الاصطناعي: العين التي لا تغفل
وسط هذا المشهد القاتم، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة ثورية قادرة على قلب الموازين. فبفضل تقنيات التعلم العميق وتحليل الصور النسيجية الرقمية (Whole Slide Imaging)، بات بالإمكان رصد التغيرات الدقيقة في الخلايا قبل أن تتحول إلى أورام خبيثة. تُظهر الدراسات أن دقة خوارزميات الذكاء الاصطناعي في التمييز بين الآفات الحميدة والخبيثة تجاوزت 90%، لتتفوق أحيانًا على أداء الأطباء الخبراء في سرعة التشخيص ودقته، خاصة في البيئات التي تفتقر إلى الكوادر المتخصصة.
سرطان الفم في العالم العربي: أزمة غير مرئية
وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، يحتل سرطان الفم والبلعوم المرتبة السادسة عالميًا من حيث الانتشار. في اليمن، تصل معدلات الإصابة إلى أكثر من 30 حالة لكل 100 ألف شخص، بسبب انتشار عادة مضغ القات. أما في السعودية، فيُعدّ من أكثر أنواع السرطانات شيوعًا بين الرجال في المناطق الجنوبية، ويرتبط غالبًا باستخدام الشمة. وفي السودان، تُظهر الدراسات أن 70% من المرضى لديهم تاريخ طويل في استخدام التبغ الممضوغ. بينما في مصر والمغرب، ما يزال ضعف الكشف المبكر يؤدي إلى ارتفاع الحالات المتقدمة وصعوبات العلاج.
من الصورة إلى الخلية: ثورة تشخيصية
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية داعمة، بل أصبح شريكًا للطبيب في تحليل الصور السريرية وصور الأشعة، وتحديد مناطق الخطر بدقة. والأهم أنه لم يعد حكرًا على المختبرات المتطورة؛ إذ يمكن دمجه في عيادات الأسنان والمراكز الريفية وحتى تطبيقات الهواتف الذكية، ما يفتح الباب أمام الرعاية الصحية الذكية للجميع.
الطب الشخصي ودعم القرار العلاجي
تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم لتصميم خطط علاج مخصصة لكل مريض بناءً على بياناته الجينية وسلوك الورم، مما يتيح اختيار العلاج الأنسب – سواء كان جراحيًا أو إشعاعيًا أو دوائيًا – لتحقيق أفضل النتائج.
العدالة الصحية خوارزميًا
في الدول العربية التي تعاني من نقص الخدمات الصحية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون جسرًا لتحقيق العدالة الطبية، عبر تمكين الأطباء العامين من التقاط صور للفم وتحليلها فوريًا بواسطة خوارزميات دقيقة تكشف الحالات المشتبه بها وتوجّهها للعلاج السريع.
إن سرطان الفم ليس مجرد مرض صامت، بل نداء إنساني يدعونا إلى نشر الوعي والكشف المبكر. ومع دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، تتحول التقنية من مجرد أداة إلى شريك رحيم قادر على إنقاذ الأرواح وتحقيق المساواة في الرعاية الصحية. فالرحمة، كما يقول جبران خليل جبران، هي نصف العدالة — وهنا، الرحمة تبدأ من العلم.
 
                 
                             
                             
                             
                             
                             
                             
                            