تسعى الصين إلى إعادة تشكيل مستقبلها التكنولوجي من خلال خطة وطنية طموحة تهدف إلى جعل الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من حياة المواطنين بحلول عام 2035. وتركز الخطة على دمج الروبوتات المتقدمة في مختلف جوانب المجتمع، بدءًا من بيئات العمل والإدارة الحكومية، وصولًا إلى الحياة الأسرية التي قد تشمل “رفقاء وأطفالًا افتراضيين”. هذه المبادرة، المعروفة باسم (AI+)، تعكس رؤية الصين للتحول نحو ما تسميه “الحضارة الذكية”، التي تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة.
الذكاء الاصطناعي كركيزة للحضارة الجديدة
تؤكد الحكومة الصينية أن الذكاء الاصطناعي لن يقتصر على دعم الاقتصاد فقط، بل سيصبح أساسًا لتطور المجتمع بأسره. فبحلول عام 2035، ستتحول الروبوتات من مجرد أدوات إنتاج إلى كيانات تشارك في اتخاذ القرارات داخل المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى. كما يُتوقع أن تلعب دورًا متزايدًا داخل الأسر من خلال تطوير روبوتات قادرة على التفاعل العاطفي والتربية الافتراضية للأطفال، ما يمثل تحولًا جذريًا في شكل الأسرة التقليدية.
ويرى الخبراء أن هذه النقلة ستجعل الصين رائدة في ما يُعرف بـ"الذكاء المجسد"، وهو الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي الذي يمنح الروبوتات القدرة على فهم البيئة المحيطة والتفاعل معها بذكاء يشبه الإنسان. ويشير المسؤولون في وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية إلى أن هذه الخطط ستجعل البلاد مركزًا عالميًا للابتكار الصناعي والذكاء المتقدم.
إقرأ ايضاً:
500 مليون دولار في الأفق.. ما سر الإقبال الكبير على صكوك الإنماء؟شاب مسلم يربك السياسة في نيويورك.. من مغني راب إلى مقعد العمدة!تحذيرات جديدة من أمانة مكة.. مخالفات بسيطة قد تكلف السكان آلاف الريالات!التحول من الإنسان الباحث إلى الذكاء الباحث عن الإنسان
يعد أحد أبرز محاور الخطة هو الانتقال من نموذج "الإنسان يبحث عن المعلومات" إلى "الذكاء الاصطناعي يبحث عن الإنسان". فبدلًا من أن يحدد المستخدم احتياجاته، ستقوم الأنظمة الذكية بتحليل بياناته وسلوكياته لتقديم الخدمات قبل أن يطلبها. هذا المفهوم الذي يُعرف بـ"الخدمة الخفية" يهدف إلى جعل التكنولوجيا أكثر انسجامًا مع طبيعة البشر. وتُظهر الشركات الصينية مثل شركة Unitree Robotics نجاحات مبهرة في تطوير روبوتات شبيهة بالبشر قادرة على الجري والقفز والمشاركة في فعاليات تنافسية، ما يعكس مدى تسارع الابتكار في بيئة تنظيمية مرنة تشجع على التجريب والتطبيق العملي مقارنة بالقيود المفروضة في أوروبا والولايات المتحدة.
تحديات أخلاقية وتحولات اجتماعية متوقعة
رغم الحماس الكبير تجاه هذه الخطط، فإن العديد من الباحثين يحذرون من المخاطر الاجتماعية والأخلاقية التي قد تنجم عنها، خصوصًا في ظل احتمالية اعتماد الناس على الروبوتات في العلاقات الإنسانية والعائلية. فانتشار الأطفال الافتراضيين والرفقاء الآليين قد يؤدي إلى تراجع الروابط الأسرية التقليدية، وهو ما يتطلب توازنًا دقيقًا بين التطور التكنولوجي والحفاظ على القيم الإنسانية. وتؤكد مراكز الأبحاث الصينية أن هذه المرحلة لن تكون نهاية الطريق، بل بداية لعصر جديد تتداخل فيه المشاعر والذكاء والعلاقات الاجتماعية بين البشر والآلات بشكل غير مسبوق، ما يجعل الصين في موقع ريادي نحو بناء "المجتمع الذكي الشامل" الذي تطمح إليه بحلول عام 2035.
مع هذه الخطط الطموحة، يبدو أن الصين لا تكتفي بمنافسة الغرب في مجال التكنولوجيا، بل تسعى إلى صياغة نموذج جديد للحياة يعتمد على الدمج الكامل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، لتقود البشرية نحو مرحلة حضارية جديدة تتجاوز حدود الخيال العلمي إلى واقع ملموس.