أحرز علماء في جامعة مانشستر البريطانية تقدمًا طبيًا مهمًا بعد اكتشافهم علاقة مباشرة بين طفرة جينية نادرة وحالات شلل حاد تصيب بعض الأطفال عقب تعرضهم لعدوى خفيفة مثل الإنفلونزا أو نزلات البرد وهو ما قد يفتح الباب لفهم أسباب إصابة البعض بمضاعفات خطيرة رغم أن العدوى تكون بسيطة في طبيعتها.
وعلى مدار عقود ظل السبب مجهولًا وراء تحول أمراض تنفسية موسمية إلى حالة شلل لدى بعض الأطفال وهو ما حيّر الأطباء ودفعهم لاعتبار الأمر مجرد استثناء غامض لا تفسير علمي واضح له حتى جاءت هذه الدراسة التي غيّرت كثيرًا من المعطيات.
إقرأ ايضاً:
المرور تطلق تحذيراً صارماً .. خطر خفي يفقد السائق السيطرة فجأة"سام ألتمان" يصدم العالم.. هل سيقوده الذكاء الاصطناعي يومًا ما؟"إيكيا" تفاجئ عشاق التكنولوجيا.. تشكيلة ذكية "تفتح باباً جديداً" لعصر المنازل المتصلة!"Redmi K90 Pro Max يذهل المستخدمين!" بطارية 7560 مللي أمبير وكاميرا ثلاثية مذهلةتحذير طبي جديد.. 5 أطعمة شائعة لا تخلطها مع البيض أبدًا وإلا ستدفع الثمن!نجم سعودي يلفت أنظار رينارد والهلال معًا.. خطوة مفاجئة تغيّر مسار مسيرته!وتعود بداية الاهتمام العلمي بالقضية إلى عام 2000 عندما أُصيب طفل يُدعى تيموثي بينغهام يبلغ من العمر عامين بعدوى تشبه الإنفلونزا ولم تمر أيام حتى فقد قدرته على المشي تمامًا ثم تكرر الأمر بشكل أكثر قسوة بعد ثلاث سنوات حين تعرض لعدوى أخرى أصابته بالشلل الكامل وهو ما جعله حبيس الكرسي المتحرك حتى اليوم.
بعد أكثر من عقد رُصدت حالة جديدة مشابهة لطفلة لا يتجاوز عمرها 8 أشهر دخلت مستشفى بريطانيًا بعد أن فقدت القدرة على التنفس دون أجهزة مساعدة وهو ما أثار الشكوك لدى الأطباء الذين لاحظوا أن أشقاءها سبق وأن عانوا من أعراض مماثلة ما زاد من احتمالية وجود مسبب وراثي.
بدأ فريق بحثي متخصص من جامعة مانشستر بإجراء تحاليل جينية مكثفة شملت الأطفال المصابين وذويهم وتمكنوا في النهاية من رصد طفرة واضحة في جين يُعرف باسم RCC1 لدى كل الحالات المصابة وهو ما شكّل نقطة الانطلاق الحقيقية لفهم أعمق.
ويُعتبر هذا الجين من المفاتيح الحيوية في عمل الجهاز العصبي بشكل طبيعي وعند حدوث خلل في هذا الجين تصبح الخلايا العصبية أكثر هشاشة وضعفًا أمام الالتهاب حتى وإن كان ناتجًا عن عدوى خفيفة مثل الزكام أو الإنفلونزا العادية.
وبحسب ما ورد في تقرير صحيفة الإندبندنت البريطانية فإن الفريق البحثي وجد وجود هذا الخلل الجيني لدى 24 طفلًا من 12 عائلة تنتمي إلى دول متعددة منها المملكة المتحدة وتركيا وألمانيا والهند والمملكة العربية السعودية وقبرص وغيرها ما يعكس الطابع العالمي للحالة.
وفي مقال علمي نُشر في مجلة لانسيت المتخصصة في علم الأعصاب وصف الباحثون هذه الحالة النادرة بأنها تُشبه إلى حد كبير متلازمة غيلان باريه وهي إحدى المتلازمات المناعية التي يهاجم فيها الجسم نفسه وتؤدي غالبًا إلى شلل مؤقت أو دائم.
وعبر تحاليل مخبرية أجريت على خلايا جلد من يحملون الطفرة الجينية تبين أنها تظهر نفس السمات المرضية التي توجد لدى من يعانون من أمراض الخلايا العصبية الحركية وهي تلك التي تؤثر بشكل مباشر على القدرة على الحركة والتنفس والبلع.
ولم يكتفِ العلماء بتلك الملاحظات البشرية بل قاموا بإجراء تجارب جينية على ذباب الفاكهة عبر تعديل الجين نفسه في هذه الكائنات الصغيرة فظهرت لديهم أعراض عصبية مشابهة تمامًا وهو ما عزز من فرضية أن الجين المتحوّر هو السبب المباشر للحالة.
هذا التطور العلمي المهم يمنح الأطباء أدوات جديدة لتشخيص الحالات مبكرًا واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة قبل تفاقمها خاصة وأن بعض العواقب الناتجة عن هذا الخلل الجيني قد تكون غير قابلة للعلاج إذا لم تُكتشف مبكرًا.
ويرى العلماء أن فهم آلية هذا الجين وعلاقته بالجهاز العصبي قد يفتح الأبواب أمام تطوير أدوية مستهدفة تمنع تطور الأعراض بعد الإصابة بعدوى بسيطة مما يحمي الأطفال المعرضين للخطر من الدخول في مراحل شلل معقدة أو دائمة.
كما أن الدراسة تسهم في تغيير النظرة الطبية تجاه العدوى الموسمية البسيطة لدى الأطفال إذ إن وجود خلل جيني قد يحوّل المرض العابر إلى أزمة صحية حادة وبالتالي فإن المتابعة الجينية للأطفال المعرضين لهذا النوع من الطفرات قد يصبح إجراءً وقائيًا ضروريًا.
ويعمل الفريق الطبي البريطاني حاليًا على توسيع دائرة البحث لتشمل مزيدًا من الحالات حول العالم في محاولة لرصد أوسع لنطاق انتشار الطفرة وتقييم تأثيرها من حيث درجة الشدة والأعراض المرتبطة بها في بيئات وراثية وسلالات مختلفة.
وتبرز المملكة العربية السعودية ضمن الدول التي وردت حالات من أطفالها ضمن الدراسة وهو ما يستدعي اهتمامًا محليًا بهذه النتائج لإدراجها ضمن بروتوكولات الفحص الوراثي والاستجابة السريعة عند ظهور أعراض شبيهة لدى الأطفال.
وتشكل هذه الدراسة بداية فصل جديد في علم الأعصاب الوراثي لما تحمله من مؤشرات على أن أسباب بعض الأمراض الخطيرة قد تكمن في تفاصيل جينية دقيقة يمكن اكتشافها وتحليلها إذا توفرت التقنيات والموارد البحثية الكافية.