الدكتور عبدالله المسند.

لماذا اختير شهر محرم لبداية التقويم الهجري؟ .. المسند يشرح خلفيات القرار التاريخي

كتب بواسطة: محمد مكاوي |

في حديث علمي وتاريخي لافت، كشف الدكتور عبدالله المسند، أستاذ المناخ بجامعة القصيم سابقًا ونائب رئيس جمعية الطقس، عن تفاصيل اعتماد شهر محرم كبداية للتقويم الهجري، موضحًا أن هذا القرار التاريخي لم يكن عشوائيًا، بل جاء بعد نقاش عميق ومداولات واسعة بين الصحابة، انتهت إلى اختيار هذا الشهر بناءً على جملة من الاعتبارات الدينية والاجتماعية والتاريخية التي جعلت منه الأنسب لبداية السنة الإسلامية.

وأوضح المسند أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين أقرّ اعتماد الهجرة النبوية كتاريخ رسمي للتقويم الإسلامي، لم يكن هناك تقويم هجري متبع من قبل، ولذلك طُرح تساؤل جوهري في ذلك الوقت، وهو: أي الشهور ينبغي أن يُبدأ بها العام الهجري، وقد دار حول هذا الموضوع نقاش موسع بين الصحابة الكرام الذين شاركوا في رسم ملامح الأمة الإسلامية الجديدة.

إقرأ ايضاً:

المرور تطلق تحذيراً صارماً .. خطر خفي يفقد السائق السيطرة فجأة"سام ألتمان" يصدم العالم.. هل سيقوده الذكاء الاصطناعي يومًا ما؟"إيكيا" تفاجئ عشاق التكنولوجيا.. تشكيلة ذكية "تفتح باباً جديداً" لعصر المنازل المتصلة!"Redmi K90 Pro Max يذهل المستخدمين!" بطارية 7560 مللي أمبير وكاميرا ثلاثية مذهلةتحذير طبي جديد.. 5 أطعمة شائعة لا تخلطها مع البيض أبدًا وإلا ستدفع الثمن!نجم سعودي يلفت أنظار رينارد والهلال معًا.. خطوة مفاجئة تغيّر مسار مسيرته!

وبين المسند أن الصحابة استعرضوا عدة أشهر محتملة، قبل أن يتفق رأيهم بالإجماع على شهر محرم، وقد جاء هذا الاختيار بعد استشارة وتدبر للمعاني الرمزية والدينية لهذا الشهر، مشيرًا إلى أن شهر محرم يمتلك دلالات خاصة في السياق الإسلامي، فضلًا عن كونه بداية زمنية مألوفة عند العرب ما قبل الإسلام، وهو ما منح هذا الخيار بعدًا ثقافيًا إضافيًا.

وأشار المسند إلى أن من أبرز الأسباب التي دفعت لاختيار محرم كبداية للتقويم الهجري، أنه الشهر الذي تلا بيعة العقبة الكبرى، وهي البيعة التي مهّدت فعليًا لهجرة النبي محمد ﷺ من مكة إلى المدينة، حيث اعتُبرت تلك البيعة نقطة تحوّل مفصلية في مسار الدعوة الإسلامية، مما منح الشهر دلالة رمزية عالية في سياق تأسيس الدولة.

وأضاف أن شهر محرم يأتي مباشرة بعد انقضاء موسم الحج، وهو الموسم الأعظم في الإسلام، لذلك رأى الصحابة أن يكون بداية العام الجديد متزامنًا مع ختام الطاعة العظمى، وهو ما يضفي طابعًا تعبديًا وروحيًا مميزًا على مستهل السنة الهجرية، ويجعل من لحظة الانطلاق تذكيرًا بالتجديد الإيماني وبدء مرحلة جديدة من العطاء الديني.

وأكد المسند أن العرب قبل الإسلام كانوا قد اعتمدوا شهر محرم كبداية للسنة، ما ساعد في جعل هذا الخيار متسقًا مع النظام الزمني المعروف في الجاهلية، وسهّل عملية الانتقال إلى تقويم إسلامي دون إحداث قطيعة مفاجئة مع البنية الزمنية المتوارثة، إذ ارتكز التقويم الجديد على خلفية زمنية مألوفة وسياق ديني متجدد.

ولفت إلى أن بداية التأريخ الهجري لم تكن متزامنة مع وقت وقوع الهجرة نفسها، فقد بدأت السنة الهجرية رسميًا يوم الخميس الأول من شهر محرم سنة 1هـ، الموافق 15 يوليو من عام 622م، بينما وقعت الهجرة النبوية فعليًا في وقت لاحق، تحديدًا يوم الاثنين 8 ربيع الأول، الموافق 20 سبتمبر 622م، أي بعد أكثر من شهرين على بدء السنة الهجرية الأولى.

وبيّن أن هذا الفارق بين بداية التقويم وحدث الهجرة لم يكن إشكالًا، لأن الغاية كانت التأريخ للسنة التي وقعت فيها الهجرة، وليس ربط أول يوم في التقويم بيوم التحرك الفعلي من مكة، موضحًا أن هذا الاختيار جاء تعبيرًا عن أهمية الحدث لا عن دقة التوقيت، وهو ما يعكس رؤية الصحابة للرمزية الكبيرة للهجرة كمنعطف تاريخي فارق في مسيرة الإسلام.

كما أشار المسند إلى أن اعتماد التقويم الهجري رسميًا تم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وكان ذلك في يوم الأربعاء 20 جمادى الآخرة من سنة 17 هـ، الموافق 9 يوليو من عام 638م، حيث أصدر الخليفة أمره باعتماد التاريخ الهجري كتقويم رسمي للدولة الإسلامية، واعتُبر ذلك إنجازًا إداريًا وتنظيميًا كبيرًا في حينه.

وأكد أن الصحابة رأوا في الهجرة النبوية الحدث الأهم الذي يمكن أن يُؤرخ به المسلمون، لأن الهجرة لم تكن مجرد انتقال جغرافي من مكة إلى المدينة، بل كانت انتقالًا من مرحلة الاستضعاف إلى التمكين، ومن الدعوة السرية إلى إقامة الدولة، ومن الاضطهاد إلى بناء مجتمع مستقل قائم على قيم الإسلام.

وذكر أن فكرة الهجرة حملت في جوهرها معاني التضحية والإصرار على بناء أمة، وقد جسدت الانطلاقة الفعلية لبناء الدولة الإسلامية، لذلك استحق هذا الحدث أن يكون معيارًا زمنيًا يقاس عليه التاريخ الإسلامي، وقد أجمعت الأمة منذ ذلك الحين على اعتماد هذا التقويم في جميع شؤونها الدينية والرسمية.

وشدد المسند على أن شهر محرم يحتل مكانة خاصة بين الشهور الحرم، فهو من الأشهر التي حرّم الله فيها القتال، وله أبعاد دينية وتاريخية متعددة، ما جعل اختياره كبداية للسنة الهجرية قرارًا ذا أبعاد رمزية ودينية وثقافية تعكس عمق الفهم التاريخي لدى الصحابة في وضع اللبنات الأولى للمجتمع الإسلامي.

وأضاف أن هذه الخلفية التاريخية لا تزال حاضرة حتى اليوم، حيث يُحتفى بشهر محرم في مختلف أنحاء العالم الإسلامي باعتباره بداية العام الهجري، ويتذكر المسلمون من خلاله قيم الهجرة والصبر والثبات، وهو ما يعزز من الترابط بين الجذور التاريخية والهوية الدينية المعاصرة.

واعتبر أن تأريخ الأمة لنفسها وفق حدث الهجرة يعكس وعيًا كبيرًا لدى الجيل المؤسس، فقد تم اختيار لحظة مفصلية تُعبّر عن التحول الحضاري، بدلًا من تأريخ يرتبط بولادة أو وفاة أو معركة، وهو ما منح هذا التقويم طابعًا مميزًا وخالدًا لا يزال يعيش في ضمير الأمة الإسلامية.

ورأى أن هذا القرار التاريخي من الخليفة عمر بن الخطاب وأصحابه الكرام لم يكن مجرد إجراء إداري، بل كان خطوة استراتيجية في توحيد الأمة على تقويم جامع، يعزز من الشعور بالوحدة والانتماء، ويؤسس لتقويم يحمل رمزية معنوية كبرى تعيش في الوجدان الإسلامي حتى اليوم.

وأشار إلى أن مثل هذه الوقائع التاريخية تتيح فهمًا أعمق لسياقات اتخاذ القرار في التاريخ الإسلامي، وتبرز كيف أن الجيل الأول من المسلمين تعامل مع الأمور بوعي شامل يجمع بين الدين والعقل والتنظيم، وهو ما مكّن الأمة من بناء منظومة متكاملة ساهمت في صمودها واستمرارها عبر القرون.

واختتم المسند حديثه بالتأكيد على أن التقويم الهجري يظل شاهدًا حيًا على لحظة التحول الكبرى التي خاضها النبي محمد ﷺ وصحابته في سبيل بناء الأمة، وأن فهم أبعاده ومبرراته يعمّق من الارتباط بتاريخ الإسلام ويغرس في النفوس معاني الفداء والتجديد والانطلاق، هذا والله أعلم.

الأخبار الجديدة
آخر الاخبار