في ظل تسارع التحولات الاقتصادية العالمية، تمضي المملكة العربية السعودية بخطى واثقة نحو بناء اقتصاد متنوع ومستدام، يقوده صندوق الاستثمارات العامة عبر استراتيجية صناعية وتعدينية ترسم ملامح مرحلة جديدة من النهضة الاقتصادية. وتعد هذه الخطوات جزءاً محورياً من مستهدفات رؤية السعودية 2030 الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط.
فمن خلال استثمارات استراتيجية مكثفة في قطاع التعدين والصناعة، يسعى الصندوق إلى تأمين سلاسل الإمداد الحيوية وتعزيز الاستقلال الاقتصادي للمملكة، مما أسفر عن تضاعف عدد المنشآت الصناعية خلال أقل من عقد. ووفقاً لتقرير برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب) لعام 2024، ارتفع عدد المنشآت من 7,206 في عام 2016 إلى 12,589 بنهاية 2024، في مؤشر واضح على نجاح سياسة التمكين الصناعي.
إقرأ ايضاً:
13 فرصة عقارية مميزة في مزاد سما الرياض الإلكتروني بإشراف إنفاذموعد مباراة الأهلي والنجمة في دوري روشن السعودي والقنوات الناقلة والتشكيل المتوقعيعمل الصندوق على ترسيخ قطاع التعدين كركيزة ثالثة للاقتصاد الوطني، عبر تطوير سلسلة القيمة الكاملة للقطاع، بدءاً من الاستكشاف والإنتاج وحتى الصناعات التحويلية. وتُعتبر شركة معادن الذراع التنفيذية الأبرز لهذا التوجه، حيث تقود جهود تطوير الموارد الطبيعية باستخدام أحدث التقنيات العالمية.
من أبرز التحركات الاستراتيجية للصندوق وشركة "معادن" توقيع شراكات نوعية في مجالات التنقيب والطاقة والمعادن النادرة. فقد استحوذت "معادن" على حصة 9.9% في شركة "إيفانهو إلكتريك" الأميركية، لإطلاق مشروع مشترك لاستكشاف 48,500 كيلومتر مربع من الأراضي السعودية بحثاً عن معادن استراتيجية مثل النحاس والذهب والنيكل. كما تم توقيع اتفاقيات مع "أرامكو" و"إم بي ماتيريلز" الأميركية لتطوير مشاريع استخراج الليثيوم والمعادن الأرضية النادرة، بما يدعم الصناعات المستقبلية مثل السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.
وتستهدف "معادن" مضاعفة أرباحها التشغيلية بمقدار عشرة أضعاف بحلول عام 2040، مع التركيز على الابتكار والاستدامة وتحقيق الريادة في معايير البيئة والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية (ESG).
ولتعزيز أمن الإمدادات العالمية، أطلق الصندوق وشركة معادن شركة "منارة المعادن للاستثمار" عام 2023، والتي استحوذت على 10% من شركة "فالي بيس ميتالز" البرازيلية، لتأمين معادن حيوية كالنيكل والكوبالت والنحاس من الأسواق العالمية، وضمان مرونة سلاسل التوريد المرتبطة بتحول الطاقة العالمي.
كما يواصل الصندوق توسيع استثماراته في صناعة الصلب الأخضر، عبر مشروع مشترك مع "أرامكو" و"باوستيل" الصينية لإنتاج 1.5 مليون طن سنوياً من الألواح الفولاذية منخفضة الانبعاثات. إلى جانب ذلك، تعمل شركة الخطوط الحديدية السعودية (سار) على ربط مناطق التعدين بشبكة لوجستية متكاملة تمتد من شمال المملكة إلى موانئها الشرقية، ما يعزز كفاءة النقل الصناعي ويدعم تنافسية الصادرات السعودية.
أما في قطاع الفوسفات، فتقود "معادن" مشاريع كبرى لإنتاج 6 ملايين طن سنوياً من الأسمدة، مع إطلاق مشروع "الفوسفات 3" الذي سيجعل المملكة ثاني أكبر مصدر للفوسفات عالمياً.
تؤكد هذه المنظومة المتكاملة من الاستثمارات أن صندوق الاستثمارات العامة لم يعد مجرد ذراع مالي، بل أصبح محركاً رئيسياً لتطوير الاقتصاد السعودي الجديد، القائم على الابتكار والاستدامة وتوطين الصناعة، في خطوة تعزز مكانة المملكة كمركز عالمي للطاقة والصناعة والتعدين خلال العقود القادمة.